سورة يس - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يس)


        


{وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)}
{وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} بيان لرجوع الكل إلى المحشر بعد بيان عدم الرجوع إلى الدنيا و{ءانٍ} نافية و{كُلٌّ} مبتدأ وتنوينه عوض عن المضاف إليه، و{لَّمًّا} عنى إلا ومجيئها بهذا المعنى ثابت في «لسان العرب» بنقل الثقات فلا يلتفت إلى زعم الكسائي أنه لا يعرف ذلك. وقال أبو عبد الله الرازي: وفي كونها بهذا المعنى معنى مناسب وهو أنها كأنها حرفا نفي أكد أولهما بثانيهما وهما لم وما وكذلك إلا كأنها حرفا نفي وهما إن النافية ولا فاستعمل أحدهما مكان الآخر، وهو عندي ضرب من الوساوس و{جَمِيعٌ} خبر المبتدأ وهو فعيل عنى مفعول فيفيد ما لا تفيده {كُلٌّ} لأنها تفيد إحاطة الأفراد وهذا يفيد اجتماعها وانضمام بعضها إلى بعض و{لَدَيْنَا} ظرف له أو لمحضرون و{مُحْضَرُونَ} خبر ثان أو نعت وجمع على المعنى، والمعنى ما كلهم إلا مجموعون لدينا محضرون للحساب والجزاء.
وقال ابن سلام: محضرون أي معذبون فكل عبارة عن الكفرة، ويجوز أن يراد به هذا المعنى على الأول.
وفي الآية تنبيه على أن المهلك لا يترك. وقرأ جمع من السبعة {لَّمًّا} بالتخفيف على أن إن مخففة من الثقيلة واللا فارقة وما مزيدة للتأكيد والمعنى أن الشأن كلهم مجموعون إلخ وهذا مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أن إن نافية واللام عنى إلا وما مزيدة والمعنى كما في قراءة التشديد.


{وَآَيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)}
{وَءايَةٌ لَّهُمُ الارض الميتة} بالتخفيف وقرأ نافع بالتشديد، و{ءايَةً} خبر مقدم للاهتمام وتنكيرها للتفخيم و{لَهُمْ} إما متعلق بها لأنها عنى العلامة أو متعلق ضمر هو صفة لها وضمير الجمع لكفار أهل مكة ومن يجري مجراهم في إنكار الحشر، و{الارض} مبتدأ و{الميتة} صفتها، وقوله تعالى: {أحييناها} استئناف مبين لكيفية كونها آية، وقيل في موضع الحال والعامل فيها آية لما فيها من معنى الاعلام وهو تكلف ركيك، وقيل {ءايَةً} مبتدأ أول و{لَهُمْ} صفتها أو متعلق بها وكل من الأمرين مسوغ للابتداء بالنكرة و{الارض الميتة} مبتدأ ثان وصفة وجملة {أحييناها} خبر المبتدأ الثاني وجملة المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول ولكونها عين المبتدأ كخبر ضمير الشأن لم تحتج لرابط، قال الخفاجي: وهذا حسن جدًا إلا أن النحاة لم يصرحوا به في غير ضمير الشأن، وقيل إنها مؤولة دلول هذا القول فلذا لم يحتج لذلك ولا يخفى بعده، وقيل {ءايَةً} مبتدأ و{الارض} خبره وجملة {أحييناها} صفة الأرض لأنها لم يرد بها أرض معينة بل الجنس فلا يلزم توصيف المعرفة بالجملة التي هي في حكم النكرة، ونظير ذلك قوله:
ولقد أمر على اللئيم يسبني *** فمضيت ثمت قلت لا يعنيني
وأنكر جواز ذلك أبو حيان مخالفًا للزمخشري. وابن مالك في التسهيل وجعل جملة يسبني حالًا من اللئيم، وأنت تعلم أن المعنى على استمرار مروره على من يسبه وإغماضه عنه ولهذا قال: أمر وعطف عليه فمضيت والتقييد بالحال لا يؤذي هذا المؤدي، ثم إن مدار الخبرية إرادة الجنس فليس هناك أخبار بالمعرفة عن النكرة ليكون مخالفًا للقواعد كما قيل نعم أرجح الأوجه ما قرر أولًا وقد مر المراد وت الأرض وأحيائها فتذكر.
{وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا} أي جنس الحب من الحنطة والشعير والأرز وغيرها، والنكرة قد تعم كما إذا كانت في سياق الامتنان أو نحوه، وفي ذكر الإخراج وكذا الجعل الآتي تنبيه على كمال الإحياء {فَمِنْهُ} أي من الحب بعد إخراجنا إياه، والفاء داخلة على المسبب ومن ابتدائية أو تبعيضية والجار والمجرور متعالق بقوله تعالى: {يَأْكُلُونَ} والتقديم للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل ويعاش به لما في ذلك من إيهام الحصر للاهتمام به حتى كأنه لا مأكول غيره.


{وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34)}
{وَجَعَلْنَا فِيهَا جنات مّن نَّخِيلٍ} جمع نخل كعبيد جمع عبد كما ذهب إليه أكثر الأئمة وصرح به في القاموس، وقيل اسم جمع، وقال الجوهري: النخل والنخيل عنى واحد وعلى الأول المعول {وَأَعْنَابٍ} جمع عنب ويقال على الكرم نفسه وعلى ثمرته كما قال الراغب: ولعله مشترك فيهما، وقيل حقيقة في الثمرة مجاز في الشجرة، وأيًا ما كان فالمراد الأول بقرينة العطف على النخيل، وجمعا دون الحب قيل لتدل الجمعية على تعدد الأنواع أي من أنواع النخل وأنواع العنب وذلك لأن النخل والعنب اسمان لنوعين فكل منهما مقول على افراد حقيقة واحدة فلا يدلان على اختلاف ما تحتهما وتعدد أنواعه إلا إذا عبر عنهما بلفظ الجمع بخلاف الحب فإنه اسم جنس وهو يشعر باختلاف ما تحته لأنه المقول على كثرة مختلفة الحقائق قولًا ذاتيًا فلا يحتاج في الدلالة على الاختلاف إلى الجمعية، وقولهم جمع العالم في قوله تعالى: {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين} [الفاتحة: 2] وهو اسم جنس ليشمل ما تحته من الأجناس لا ينافي ذلك قيل لأن المراد ليشمل شمولًا ظاهرًا متعينًا وان حصل الاشعار بدونه، وقيل جمعًا للدلالة على مزيد النعمة، وأما الحب ففيه قوام البدن وهو حاصل بالجنس.
وامتن عز وجل في معرض الاستدلال على أمر الحشر بجعل الجنات من النخيل والأعناب المراد بها الأشجار ولم يمتن سبحانه وتعالى بجعل ثمرات تلك الأشجار من التمر والعنب كما امتن جل جلاله بإخراج الحب أعظامًا للمنة لتضمن ذلك الامتنان بالثمار وغيرها من منافع تلك الأشجار أنفسها بسائر أجزائها للإنسان نفسه بلا واسطة لا سيما النخيل ولا دلالة في الكلام على حصر ثمر الجعل بأكل الثمرة، وثمرة التنصيص على ذلك من بين المنافع ظاهرة وهذا بخلاف أشجار الحبوب فإنها ليست بهذه المثابة ولذا غير الأسلوب ولم يعامل ثمر ذلك معاملة الحبوب وكلام البيضاوي عليه الرحمة ظاهر في أن المراد بالأعناب الثمار المعروفة لا الكروم وعلل ذكر النخيل دون ثمارها مع أنه الأوفق بما قبل وما بعد باختصاصها زيد النفع وآثار الصنع وتفسبر الأعناب بالثمار دون الكروم بعيد عندي لمكان العطف مع أن الجار والمجرور في موضع الصفة لجنات، والمعروف كونها من أشجار لا من ثمار.
قال الراغب: الجنة كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض، وقد تسمى الأشجار الساترة جنة وعلى ذلك حمل قوله:
من النواضح تسقى جنة سحقا ***
على أن في الآية بعد ما يؤيد إرادة الثمار فتدبر.
{وَفَجَّرْنَا فِيهَا} أي شققنا في الأرض. وقرأ جناح بن حبيش {فجرنا} بالتخفيف والمعنى واحد بيد أن المشدد دال على المبالغة والتكثير {فِيهَا مِنَ العيون} أي شيئًا من العيون على أن الجار والمجرور في موضع الصفة لمحذوف، ومن بيانية وجوز كونها تبعيضية وليس بذاك، وقيل المفعول محذوف و{مِنَ العيون} متعلق بفجر ومن ابتدائية على معنى فجرنا من المنابع ما ينتفع به من الماء، وذهب الأخفش إلى زيادة من وجعل العيون مفعول فجرنا لأنه يرى جواز زيادتها في الإثبات مع تعريف مجرورها.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14